لقد سبق وأن كتبت على صفحات هذه الجريدة الغراء منذ تسعة أشهر مقالًا عن ثقافة الانحطاط، وما سأقوله هنا يجيء مكملًا لما سبق وكتبته من قبل.بداية علينا أن نوضح أن ما يُسمى بأغانى المهرجانات
لا هو أغانى ولا هو فن، فهذه المسوخ التى خرجت علينا من المستنقعات العفنة لعالم الإجرام والمخدرات والبلطجة. هذه الكائنات لا علاقة لها بالفن الذى عرفناه طيلة التاريخ؛ فلا كلمات، ولا لحن، ولا أداء، ولا رؤية، ولا رسالة، ولا قيمة، ولا جماليات، ولا حتى لذة حسية. إن الفن الذى نعرفه ويعرفه كل متذوق للفنون يتضمن عنصرًا جماليًا ويرتقى بالإنسان ويسمو به لا أن ينحط بالذوق الفنى للجماهير بهذه الصورة التى تدعو للانزعاج والقلق على مصير الشباب. إن أخطر ما فى هذا الوباء أنه اجتاح كافة المراحل العمرية من الأطفال والشباب.
وأستطيع أن أجزم بأن تسعين بالمائة من الشباب يُقبل الآن على هذا الوباء ويتعاطى هذا النوع من الأداء، وأنا أقول يتعاطى
لأن هذا اللون الجديد من الابتذال لا يختلف مطلقًا عن المخدرات. المهرجانات مخدرات لا شك فى ذلك، كلاهما اعتياد وكلاهما إدمان
يؤدى إلى تشويه مشاعر وعقل الإنسان. إن الفن هو العقل يتبدى من خلف ستائر الإحساس كما كان يؤكد الفنان الروسى الكبير فاسيلى كاندنسكى، ومعنى هذا أن الفن لا يرتبط ببناء الوجدان فحسب، ولكنه يرتبط أيضًا ببناء العقل الإنسانى لأننا عندما نفكر لا نفكر بعقولنا الباردة الميتة فقط، بل نفكر بمشاعرنا ووجداننا وأحاسيسنا، ولذلك ظهرت نظريات الذكاء الوجدانى فى الدراسات السيكولوجية المعاصرة كى تعزز ارتباط الفكر بالوجدان.
مرة أخرى يجب أن نؤكد على أن من يدافع عن حق مسوخ المهرجانات لا يختلف عندى عمن يدافع عن حق الجماعة الإرهابية فى البقاء كلاهما يُعانى أعراض المراهقة الثورية فى فهم الحرية.
والاعتراف بهذه الحثالة أو الدفاع عنها بوصفها تقدم لونًا جديدًا من الفن يُعبر عن أوضاع الطبقات المقهورة هو
مغازلة رخيصة ومبتذلة لقطاع عريض من الشباب أدمن هذا اللون من الهراء، وهو أيضًا ترسيخ
لثقافة ضحلة ورديئة ومريضة ولدت من رحم ثقافة السلعة وثقافة الهوس الدينى نتيجة تدهور مؤسسات الدولة وتخلفها، فى مقابل الحضور الطاغى لمؤسسات الرأسمالية الطفيلية التى كانت سببًا مباشرًا لاتساع فئات المهمشين الذين أصبحوا الآن هم الطبقة الأكثر عددًا والأكثر فقرًا والأكثر عنفًا والأكثر تأثيرًا، وكان لابد لهذه الطبقة الجديدة الصاعدة من أن تخلق لنفسها لونًا جديدًا من الثقافة يُعبر عن ضياعها وانسحاقها وبؤسها وتفاهتها وهشاشتها، ولكنها لم تكتف بذلك، بل نجحت فى أن تجعل من هامشها الثقافى الرخيص مثالًا يحتذيه معظم شباب المجتمع، بل وبعض رموز الثقافة والإعلام
ونجوم الرأسمالية الرثة. إننا كمثقفين يجب أن نعلن بكل قوة وحسم: لا للإرهاب، لا للابتذال، لا لازدراء الإنسان
اعتمد الكاتب على أسلوب ساخر وناقد لظاهرة أغاني المهرجانات، به إهانة وتشويه من خلال الاستخفاف بمطربي المهرجانات واحتقارهم وإشاعة السوء عنهم حيث اعتبرهم مسوخ وينتمون لعالم الإجرام والبلطجة، وتشبيه الظاهرة بإدمان المخدرات، ونفي أن يكون لها علاقة بالفن وأنها ثقافة الأنحطاط.